في شهر التوعية.. الطريق إلى الصحة النفسية يبدأ من محو الوصم الاجتماعي
في شهر التوعية.. الطريق إلى الصحة النفسية يبدأ من محو الوصم الاجتماعي
"الطريق إلى الطبيب النفسي محفوف بالتنمر".. من أجل ذلك لا تزال الأمراض النفسية والعقلية محل نبذ ووصم اجتماعي، لا سيما في المجتمعات الشرقية.
ومنذ عام 1949، تحتفل الولايات المتحدة بشهر التوعية بالصحة العقلية في شهر مايو من كل عام، كما تكثف الأمم المتحدة من حملات التوعية بأهمية الحفاظ على الصحة النفسية والعقلية.
وفي أحدث إحصاء أممي لعام 2020، أعلنت منظمة الصحة العالمية، عن أن نحو مليار شخص حول العالم يعانون الاضطرابات النفسية، لا يحصل سوى عدد قليل منهم على خدمات الصحة النفسية الجيدة.
وأكدت المنظمة أن معظم بلدان العالم لا تنفق سوى 2 بالمئة من ميزانياتها الوطنية على الصحة النفسية، فيما لا يتلقى أكثر من 75 بالمئة من الأشخاص المصابين بأمراض نفسية أي علاج لحالتهم على الإطلاق.
وقالت إن الاكتئاب يعد أحد الأسباب الرئيسية للمرض والإعاقة بين المراهقين والبالغين، وإن المصابين باضطرابات نفسية حادة مثل الفصام، عادة ما يموتون قبل الآخرين بنحو عشرين عاما.
وخلال العامين الماضيين، ساهم تفشي فيروس كورونا في الإصابة بالأمراض النفسية والعقلية، على وقع فترات الحجر المنزلي وغموض وضبابية مستقبل الفيروس وحالات الوفاة الناجمة عنه.
وفي أواخر عام 2020، رصدت منظمة الصحة العالمية انتشارًا كبيرًا لأمراض الاضطراب العقلي والنفسي، بين العاملين في قطاع الرعاية الطبية، والذين عانوا ضغوطا هائلة مع تصاعد الإصابة بالفيروس التاجي.
وأوضح تقرير المنظمة الأممية أن نحو 50 بالمئة من العاملين في مجال الرعاية الطبية في كندا والصين وباكستان وغيرها أبلغوا بإصابتهم بالاكتئاب والاضطراب النفسي المعتدل والشديد، وأنهم في حاجة للدعم النفسي لتجاوز المحنة.
التوعية بالصحة النفسية
بدورها، قالت أخصائية الإرشاد والصحة النفسية، منار السيد، لـ"جسور بوست": ما زالت المجتمعات توصم المريض النفسي أوالعقلي بـ(الجنون)، وهو تعبير شعبي لا يشجع على مواجهة المرض والعلاج".
وأضافت: "هذا التصنيف له تداعيات اجتماعية سلبية، وغالبا ما يؤدي إلى النبذ والتنمر للمريض النفسي، ويضاعف من الأعباء والأزمات التي يواجهها".
وأوضحت: "الأمراض النفسية تنقسم إلى قسمين رئيسيين؛ أولهما الأمراض العصابية (النفسية)، كالقلق، والوسواس القهري، ورهاب الأماكن المغلقة، والأمراض النفسية الجسدية، واضطرابات الكرب وغيرها".
وتابعت: "أما القسم الثاني فالأمراض الذهانية (العقلية)، كالفصام، والاضطرابات التوهمية، والذهان الناتج عن تناول المخدرات والكحوليات، والاضطرابات شبه الفصامية، وذهان النفاس وغيرها".
وأشارت منار إلى أن جميع الأمراض النفسية والعقلية متباينة التأثير والأعراض على المرضى، ومختلفة في سبل العلاج ونسب الشفاء، كما أن الأمراض الذهانية تعد أخطر وأسوأ من العصابية.
ودعت إلى ضرورة تغيير ثقافة المجتمعات لتقبل الأمراض النفسية والعقلية كنظيرتها العضوية، وعدم وصف المرضى النفسيين أو العقليين بأوصاف مسيئة تحول دون علاجهم أو تدفعهم إلى اللجوء للتستر خوفا من التنمر والنبذ.
وقالت: "الأمراض النفسية كالأمراض العضوية محتمل أن يصاب بها جميع الأشخاص وتستلزم العلاج، لا سيما في ظل أهمية الجانب النفسي، والذي يعد أحد أهم جوانب الشخصية، فالصحة النفسية تدفع الأشخاص إلى القيام بمهامهم العملية والاجتماعية والإنسانية على أكمل وجه".
ولفتت منار السيد إلى الارتباط الوثيق بين الأمراض العضوية، خاصة المزمنة منها، والحالة النفسية للمرضى، حيث أثبتت الدراسات البحثية أن تحسن الحالة النفسية والمزاجية للمرضى يساهم بشكل مباشر في احتمالات الشفاء من تلك الأمراض العضوية.
وأضافت: "الاهتمام بالمرض النفسي يحتاج إلى إرادة سياسية ومؤسسية من خلال تركيز الحكومات والمؤسسات الإعلامية ومنظمات المجتمع المدني على محو الوصم الذي يواجه المرضى النفسيين".
وأكدت أن المرض النفسي مجرد وعكة صحية ويحتاج إلى دعم ومساعدة وعلاج، حتى لا يتعرض المريض للانهيار والانتكاسة، ويستطيع مواصلة حياته بجودة صحية ونفسية.
وأوضحت أن جميع دول العالم لا يحتاج لشهر واحد فقط للتوعية بالصحة النفسية، بل يحتاج لمجهودات ضخمة ويومية، وسياسات واقعية لدعم ومساندة المرضى وتخفيف الضغوط المجتمعية عليهم.
ومضت قائلة: "الأمر لا يتوقف عند حد التوعية بالأمراض النفسية، ليصل إلى حد التوعية بحماية الصحة النفسية، وإدارة الضغوط النفسية وغيرها".